//

بشرى الفؤاد بترجمة الإمام الحداد - الإمام عبدالله بن علوي الحداد - Kitab Alhaddad-9






بشرى الفؤاد بترجمة الإمام الحداد


تأليف

الحبيب السيد علوي بن حسن الحداد المكي الحسيني
حفظه الله تعالى

            بسم الله الرحمن الرحيم

                               
مقدمة
الحمد لله اختص أهل طاعته برعايته وعنايته أخلصوا في عبوديتهم فاصطفاهم وتوالت طاعتهم لمولاهم فتولاهم:- {الا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لُهُمُ البُشْرَى فِي الْحيَاةِ الْدُّنيا وَفيِ الآخِرَةِ لاَ تَبدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذَلِكَ هُو الفَوْزُ العَظِيمُ{ وإن أولياء حقيقة ًهم علماء الشريعة وحاملوا لواء الدعوة يقول الإمام الشافعي:(إن لم يكن العلماء أولياء لله فليس لله من ولي){ َمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}. وقد زكاهم الله فقال:{ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .{ وزكاهم سيدنا رسول حيث قال :- ( يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين). رواه أبوداوود ومن هؤلاء الصفوة الميامين والعلماء العاملين والعباد الصالحين سيدنا الإمام (عبد الله بن علوي بن محمد الحداد) الذي شهدت له علماء الأمة وصالحوها في حياته وبعد مماته وأنتم شهداء في أرضه وألسنة الخلق أقلام الحق وإن تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل إن قد أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء إن قد أحب فلانا ًفأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض.{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً{ سر روح لقدس إذ
ناداهمُ أن أحبوا كل ذي قلب سليم وإليكم نماذج من شهادة علماء وأولياء عصره ومن بعدهم حتى عصرنا هذا. أقوال معاصري الإمام الحداد رضي الله عنه ? كان شيخه عبدالرحمن بن شيخ مولى عيديد يقول له :- مرحباً بسيد الجماعة ومرة يقول:- شيخ القبيلة يعني آل باعلوي. ? وقال عنه السيد عمر بن عبدالرحمن العطاس :- إنه أمةٌ وحده. ? وقال عنه السيد أحمد بن ناصر بن الشيخ أبي بكر بن سالم :- السيد عبدالله الحداد همةٌ علوية وحالٌ فائق كأبي يزيد البسطامي. ? وقال عنه السيد أحمد بن عمر الهندوان :- إنه بلغ رتبة الاجتهاد وهو عين الحقيقة وهو متصفٌ بصفات الأكابر والسيد عبدالله الحداد للخلق كالشمس لا غنىً لهم عنها أبداً وكالعافية للبدن. ? وقال عنه السيد علي بن عبد العيدروس : - السيد عبدالله بن علوي الحداد سلطان آل باعلوي. ? وقال عنه المؤرخ الشلي :- اشتهر كسلفه بالحداد الفائق على الأمثال والأنداد الذي شيد ربوع الفضل وشاد ودل كثيراً من العباد وهداهم إلى سبيل الرشاد وبلغ نهاية السول والمراد إمام أهل زمانه والداعي إلى الله بسره وإعلانه المناضل عن الدين الحنيفي بقلمه ولسانه المشار إليه بالبنان في العلوم والعرفان الغني عن الدليل والتبيان الجامع بين الحقيقة والشريعة الواصل إلى مراتب الكمال بأوثق ذريعة. ? وقال عنه تلميذه الحبيب أحمد بن زين الحبشي : - إن الإمام الحداد بلغ رتبة الاجتهاد في علوم الإسلام والإيمان والإحسان وهو المجدد لهذه العلوم في هذه الأزمان .وهذا ما قال عنه مشايخه ومعاصروه وتلامذته وقد أجمع أهل عصره على عظمته ورفعة قدره ويذكرون أن كتبه حوت خلاصة كتب الإمام الغزالي وأنه لو سبق الغزالي لنقل عنه. واستمر اغتباط أهل بلده به وبشعره ونثره فلا يكاد يعقد مجلس علم في بلده تريم إلا ويقرأ فيه بشيءٍ من كتبه أو ينشد فيه بشيءٍ من شعره . وجاء سيدنا الحبيب علي بن محمد الحبشي وامتدحه بقصيدة عصماء مطلعها :
بالفتح والإرشاد والإمداد ... ثبتت قواعد شيخنا الحداد
مستجمع السر الذي اتصفت به ... أسلافه وخليفة الأجداد
فرعٌ تسلسل عن كرام فضلهم ... قد شاع في الأغوار و الأنجاد
الحق أظهره لدعوة خلقه ... وأقامه للنصح والإرشاد
فهو الخليفة في جميع أموره ... عن خير داع ٍ للبرية هادي
فهو الإمام المهتدي بعلومه ... كل الورى من حاضرٍ أو باد
فجميع من سلك الطريقة بعده ... مستصبحون بنوره الوقاد
قرت به عين النبي محمد ... فهو له من أحسن الأولاد
(1/2)

ومن علماء العصر الحديث من أهل بلده قال عنه الحبيب محمد الشاطري رحمه تعالى: قل أن تنتشر كتب أحدٍ من أقران الحداد كما انتشرت كتب الحداد وتآليفه فقد طبعت مصنفاته طبعات عديدة، وقد ترجمت بعض كتبه للغات أخرى وانتفع بها خلق كثير، ومعظمها مزيجٌ من الفقه والتوحيد والتهذيب والتاريخ والحكم وقد طبعت أوراده ورواتبه وشرح بعضها كما طبع ديوانه عدة مرات وانتشر كل ذلك لسلاسة أسلوبه وسهولة تعبيره وقوة براهينه وقل أن يعقد مجلسٌ أو وعظٌ أو تذكيرٌ بهذه البلاد إلا ويستشهد فيه من كلامه كما أن أشعاره تنشد أيضاً في مناسبة الأفراح وغيرها وقل أن تجد واعظاً حضرمياً إلا ويجعل من كلام الحداد المنثور والمنظوم منطلقاً لوعظه. وقال عنه الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي مصر قال في المقدمة التي كتبها لمؤلَف الإمام الحداد النصائح الدينية وكان مؤلَفاً واضحاً في عباراته قوياً في أسلوبه محققاً في بحثه بآيات من القرآن والأحاديث النبوية والأقوال المأثورة عن الأئمة وينتزع من دخائل النفس ووساوس الصدر كل شبهة ويعالج كل نزعة حتى لايبقى مقالٌ لقائل ولاجوابٌ لسائل. وألف عنه الدكتور مصطفى بدوي كتابه الرائع (الإمام الحداد مجدد القرن الثاني عشر) واستدل بالحديث الذي رواه أبو داوود والحاكم (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) واستعرض صفات المجتهد التي حكاها الإمام الجويني ووجدها جميعها منطبقة على الإمام الحداد وخلاصتها:
1- أن يكون عالماً بطرق الأدلة ووجوهها.
2- أن يكون عالماً بالآيات المتعلقة بالأحكام من كتاب تعالى.
3- أن يكون ذا درا ية باللغة العربية.
4- أن يكون ذا دراية بعلم الحديث.
5- وأن يحيط علماً بمذاهب السلف.
(1/3)

جاء في قصيدة سيدي الجليل شافي الغليل الحبيب إبراهيم بن عمر بن عقيل با علوي وارضاه وأعاد علينا من عوائده آمين , القصيدة التي اسماها بمشرع المدد القوي نظم السند العلوي والتي ذكر فيها سلسلة سنده في الأخذ والتلقي إلى رسول الله ومنه إلى جبريل ومنه إلى رب العزة ذو الجلال والإكرام قال فيها عن سيدنا عبد الله بن علوي الحداد وأرضاه :
وعصابة أقرانهم ما مثلهم ... أحد من الاعيان والافرادِ
عد النجوم ولا تعد صفاتهم ... فهم النجوم سمت عن التعدادِ
أخذوا عن القطب المجدد ديننا ... في قرنه الحداد ذي الارشادِ
السيد السند الذي أحيى الهدى ... بدعائه من موته ورقادِ
غوث البرية كلها ومغيثها ... ولذاك ندعوه بغوث عبادِ
الشيخ عبد الله نجل حبيبنا ... علوي ابن محمد الحماد
داع الى الحق المبين فكم هدى ... من ذي ضلال ليس بالمنقاد
علم منير واصل وموصل ... فالزم طريقته تفز برشاد
وأعلم بأن الشيخ نفع شامل ... فاجعله حصنك عند خوف العادي
حدث ولا حرج عليك عن الامام ... البحر شمس العترة الحداد
هو أمة في فضله ومقامه ... من ذا يباهل غوث كل منادي
سبحان من أعطاه ما أولاه من ... إرث النبي وعلمه الفياد
وأمامنا الحداد جامع طرقها ... عن صفوة من راسخ وعماد
من كل حبر كامل ومكمل ... هم عدتي وذخيرتي وسنادي
(1/4)

هذا ما قاله علماء عصره عنه ومن بعدهم إلى وقتنا الحاضر.
فماذا قال هو عن نفسه.... وإن أحسن من يتحدث عن الإمام الحداد الإمامُ الحداد نفسه فقد قال رحمه من باب التحدث بالنعمة :
( ليس لأحدٍ معنا ظهور وهل للنجوم ظهورٌ مع وجود الشمس نحن للناس كالشمس من فتح باباً أو كوةً دخل له منها بقدر ما يفتح ومن لم يفتح لابد وأن يصل من ضيائها لانبساط نورها على الأرض واتساع إشراقها . وقال : لله علينا نعمتان لايمكن أن نقوم بشكرهما: أحدهما منحنا الله سبحانه وتعالى علماً لانحتاج معه إلى علم كل من على وجه الأرض ، والثانية أعطانا الله عقلاً كاملاً لانحتاج معه إلى عقل أحد. ويقول:- إن عندنا علوماً ما لقينا لها متلقياً ولو قبل مني أهل الزمان العلم بإنصافٍ لصنفت كتباً على معنى آيةٍ من كتاب الله إنها ترد على قلبي علومٌ لا أجد من يعيها، إن عندنا في هذه الآية {ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً} سبعون علماً وعندنا في كل حرفٍ من حروف الفاتحة كذا وكذا علماً.
ومن كلامه : نحن على القدم النبوي وسيرة سلفنا السابقين ومظهرنا إنما هو مظهر علمٍ لامظهر رؤية شيءٍ آخر. ويقول: ما من سنةٍ سنها رسول الله إلا وأرجو أن أكون قد عملتها وهذه هي المفخرة الحقيقية التي وصف مطبقيها بقوله: ثبتوا على قدم الرسول وصحبه والتابعين لهم فسل وتتبع ومضوا على قصد السبيل إلى العلا قدماً على قدمٍ بجدٍ أوزع وتحدث عن نفسه نظماً فقال: وإني مقيمٌ في مواطن غربةٍ على كثرة الألاّف في جانب وحدي قريبٌ بعيدٌ كائنٌ غير كائنٍ وحيدٌ فريدٌ في طريقي وفي قصدي أمورٌ وأحوالٌ تعن ولم أجد عليها معيناً وهي تقعد بالفرد هذه شهادة معاصريه ومن بعدهم إلى وقتنا هذا فلنستعرض سيرته وأدوار حياته:- ولد الإمام الحداد يوم الاثنين 5 صفر 1044هـ بالسبير أحد ضواحي مدينة تريم و كف بصره وهو ابن أربع سنين بسبب الجدري وعوضه بنور البصيرة وصفاء السريرة كما قال الشاعر :
إن أذهب الله من عيني نورهما ... فإن قلبي مضئٌ ما به ضررُ
(1/5)

وبدت عليه آثار الصلاح والنجابة من صغره فقد كان يميل إلى أحد المساجد عند خروجه من المدرسة فيصلي من مائة إلى مائتين ركعة . لقد نشأ في كنف أبويه الكريمين والده الحبيب علوي بن محمد الحداد وكان رجلاً صالحاً تقياً من أهل ووالدته الشريفة سلمى بنت الحبيب عيدروس بن أحمد الحبشي وتأدب بأبيه وتأثر بوالدته الصالحة........ فلولا المربي ما عرفت ربي.
فنشأ نشأة ً صالحة واشتغل بحفظ القرآن ومجاهدة النفس وطلب العلم الشريف حتى فاق أقرانه بل فاق معلميه فبعض من أخذ عنهم في بدايته رجعوا يأخذون عنه كالشيخ باجبير حيث كان الإمام في بدايته يقرأ عليه في الفقه في المنهاج ثم لما سافر الشيخ باجبير إلى الهند ورجع بعد فترة طويلة صار يقرأ على الحبيب عبد الله في إحياء علوم الدين. وقد بلغ في العلم مبلغاً عظيماَ يقول الحبيب أحمد بن زين الحبشي: إن الإمام الحداد بلغ رتبة الاجتهاد في علوم الإسلام والإيمان والإحسان وقد ذكرنا ما تحدث به الإمام الحداد عن نفسه وعن علمه الرباني الذي منحه مولاه من باب {وعلمناه من لدنا علماً} ، {واتقوا الله ويعلمكم الله . { وأمام هذا المظهر الرائع والكرم الواسع والجود الشاسع يقف المترجم حائراً مبهوتاً من أين يبدأ وكيف يتكلم ؟! تجف لهاتي والقوافي عصية عليَّ فلا أبدي ولا أتكلم ولكن من الممكن أن نتكلم عن الأبوة، والأخوة، والبنوة، والمشايخ، والتلاميذ، وعن موطنه العظيم، وحاويه الكريم، وعن حجه وزيارته، وعن نسكه وتعبده، وعن أخلاقه وطريقته، ونظمه ومؤلفاته، وعن ثلاثيات اشتهرت عنه، أو قيلت فيه، وعن وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى رحمه الله تعالى.
(1/6)

والداه الكريمان:
أما والده فهو سيدنا الحبيب علوي بن محمد الحداد كان من عباد الصالحين قال عنه ولده الحبيب عبدالله: إن والدي كان طاهراً مطهراً وكتب لأخيه حامد يعلمه بوفاة والده ووالدته: ( اعلم أن الله قد قضى
بأمرٍ وفي قضائه الخير والخيرة وفي الرضا به الثواب والمنفعة والروح والراحة عاجلاً وآجلاً وذلك أنه نقل إلى رحمته ورضاه وفسيح جنته الوالد الكريم الشريف علوي بن محمد الحداد وذلك ليلة الاثنين الأولى من شهر رجب بعد أن مرض مرضاً ليس بالشديد ومات على حالةٍ مرضيةٍ وطريقةٍ سديدةٍ بعد أن نطق بكلمة الإخلاص التي من كانت آخر كلامه دخل الجنة وهي ( لا إله إلا الله ).
وبعد وفاته بنحو خمسة أيام مرضت الوالدة ودام عليها المرض قريباً من عشرين يوماً إلى أن توفيت وقدمت على الدار الآخرة بعد أن تشهدت ضحى يوم الأربعاء الرابع والعشرين من الشهر المذكور سنة1072هـ ثم قال واحمد الله واشكره حيث أنهما توفيا على حالةٍ مرضية في هذا الزمان المفتون وماتا موتة ً حسنة تبشر بالنجاة. {إِنَّ الًّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ، لاَيَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَت أَنُفُسُهُم خَالِدُونَ ، لاَيَحزُنُهُمُ الفَزَعُ الأََكبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ، يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ، وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ، إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغَاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ}
(1/7)

إخوانه الكرام:
الأخوة للحبيب عبدالله بن علوي الحداد ثلاثة إخوان عمر وعلي وحامد. وله إليهم مكاتبات مشهورة منها مكاتبته إلى أخيه عمر وفيها من النصائح والتوجيهات مالا مزيد عليه، أما مكاتباته إلى أخيه الحامد فهي مكاتبات عديدة ويظهر أنه لسفره وبعده وحلوله بالهند كانت هذه الكثرة الكاثرة التي جمعت ضمن رسائله ومكاتباته وفيها تتجلى أخوته الحانية المشتملة على صادق المحبة وصافي المودة ولما مات أخوه حامد بالهند سنة 1107هـ رثاه بقصيدة مؤثرة مطلعها:
مرت لنا بالحمى المأنوس أعياد ... مع الأحبة لو عادت ولو عادوا
كنا قضينا بها الأوطار في دعة ... وطيب عيش فما كادت وما كادوا
إلى أن قال:
بانوا عن الأهل والأوطان من زمنٍ ... وكان من ودهم لو أنهم عادوا
فعوقتهم مقاديرٌ مقدرةٌ ... محتومها ماله دفعٌ و لارادُّ
مثل الشقيق وابن العم في زمرٍ ... طابت خلائقهم والسعي والزادُ
من الذين بعلم الدين قد عملوا ... واستغرقتهم عباداتٌ وأورادُ
دعاة خيرٍ هداةٍ مهتدين رضا ... من سادةٍ مالهم في الفضل أندادُ
(1/8)

أولاده الكرام:
للحبيب عبدالله الحداد ستة أولادٍ كلهم قادةٌ أمجاد وعلماء عُبَّاد وهم: الحسن وعلوي ومحمد وسالم وحسين وزين.... من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري ويذكر عن والدهم أنه قال: حسينٌ أمير، وعلوي صالحٌ، وحسنٌ حكيم، وزينٌ شيخ . وكان يقول عن ولده محمد : إنَّ ولدي محمدٌ وُلِدَ على الولاية الكاملة وخص ابنه محمداً للقيام بوساطات بالنيابة عنه بين القبائل وغيرهم للإصلاح بينهم وقد نجح ابنه في نزع فتيل الحرب بين بعض القبائل وزوَّجه من قبيلة آل كثير لتوثيق عرى المودة والإخاء بينه وبين القبائل المسلحة وقد توفي ابنه محمد بذمار.....
وأما حسن وعلوي فهما اللذان قاما مقامه في تدريس العلوم وإطعام الفقراء والمساكين وإيواء الغرباء والوافدين وكان يدعو لولده حسن بهذه الدعوات ( حسن حسَّنَ الله عاقبتك في الدنيا والآخرة) فكان أن ولد له العلماء ومنهم أحمد بن حسن وإخوانه وحفيده العالم علوي بن أحمد. وقد توفي الحبيب علوي بن عبد الله الحداد بمكة المكرمة إثر حجه، ودفن على مقربةٍ من مقبرة السيدة خديجة رضي الله عنها على يمين الطالع في عام 1153هـ وحسن توفي بتريم وقد كان يسميه الحكيم ؛
قال البغوي: الحكيم الجامع بين العلم والعمل والإصابة في الأمور العالم بأسرار القرآن والفهم فيه ؛ وقد طال عمره كما وعده والده وأخذ عنه الحاضر والباد وألحق الأحفاد بالأجداد وتوفي عام 1188هـ. وأما زين فقد سافر بعد موت والده إلى جهة العراق وحصل له بذلك البلد جاهٌ وعزٌ رفيع لاعتقاد الناس في والده وهو شاعرٌ غزليٌ شعبيٌ ومن اللطائف أن والده مر تحت غرفته وهو ينشد لبعض أصحابه:
يقول خو علوي حجزنا الحمول... ثقيل ما نقدر لحمله
فوقف عليهم والده وأجابهم على البديهة :
حضر جمل لي بايهز العدول ... لو حملوه الحيد شله
وقد توفي الحبيب زين بعمان ببلدة صير عام 1157هـ .
وسالم توطن المشقاص وأولد بها ورجع إلى تريم وبها توفي عام 1165هـ.
(1/9)

وحسين قال عنه والده: إن لنا في حسين أملاً نرجو من الله إنجازه. وحج في عهد والده وأنشأ قصيدة فيه يخاطبه قائلاً:
وكن نائباً عني بإهداء تحية ... معنبرة كالمسك في العرف والندِّ
وكان يرثى له ويقول: مسكين حسين وذلك إشارة لما ابتلي به في آخر عمره من أمراض تحملها بجميل الصبر والتحمل والرضى عن سبحانه وتعالى رحمه .
وقد انتشرت ذرية الإمام الحداد في كثير من البلاد في حضرموت وشبوة - ما كانت تسمى ببلاد العوالق- وشمال اليمن والمملكة العربية السعودية ودول الخليج وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورا وغيرها من البلدان... وقد اشتهر أن جعل البركة في تلاميذه وأولاده وكتبه فنسأل أن يحفظ هذه الذرية ويؤلف بين قلوبهم ويوحد دروبهم ويحيي بهم طريقة آبائهم وأجدادهم وأن يجعلهم خير خلف لخير سلف وأن يتجهوا لطلب العلم الشريف فقد قال جدهم : "نحن على القدم النبوي وسيرة سلفنا السابقين ما استطعنا ومظهرنا إنما هو مظهر علم لا مظهر رؤية شيءٍ آخر" وقال تعالى:{ َالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}. يقول سيدنا الحبيب علي الحبشي:
ومما يسر القلب مني لزومكم ... طريقة آبائي وأهلي وأجدادي
من السلف القوم الذين توجهوا ... إلى الله يقفون النبي المصطفى الهادي
وهاهي أعمال خلت عن شوائب ... وعلم وأخلاق وكثرة أورادِ
وأربابها يسعون فيها بوجهة ... فهم بين عباد بعلم وزهادِ
أولئك قوم شرف الله قدرهم ... فهم بين أقطاب كرام وأوتادِ
(1/10)

مشايخ الحبيب عبدالله الحداد:
ذكر أن عدد المشايخ الذين أخذ عنهم الحبيب عبدالله يزيدون على140شيخاً ومن أشهرهم السيد عبدالرحمن بن شيخ مولى عيديد والسيد عمر بن عبدالرحمن العطاس والسيد سهل بن محمد باحسن وعقيل بن عبدالرحمن بن عقيل السقاف ومن شيوخه بالمكاتبة السيد: محمد بن علوي السقاف صاحب مكة . وقد رثاه بعد وفاته بقصيده تشير إلى أنه خليفته و وارث سره من بعده فقال:
بقيةُ قومٍ قد مضوا وخلفتهم ... وهم خلَّفوني في الحمى بعد ما سارو
ومقتبسٌ من نورهم وبسرهم ... عُنِيْتُ وأنوارٌ لديهم وأسرارُ
وليس معي إلا انكسار وذلةٌ ... وفقر ٌ وذنبٌ والمهيمن غفارُ
ولي أملٌ في الله جل جلاله ... وظنٌ جميل ٌ لم تغيره أغيارُ
ولي من رسول الله جدي عنايةٌ ... ووجه ٌ وإمدادٌ وإرث وإيثارُ
عليه صلاة الله ثم سلامه ... تدور به بعد العشيةِ إبكارُ
وقد ذكر أن الشيخ المذكور أرسل إليه بإلباس وأنه وصل إليه يوم وفاته وفي ذلك من الإشارة إلى أنه خليفته كما ذكر في شعره الآنف الذكر.
تلامذته:
يأتي في مقدمة تلامذته أبناؤه الكرام، والسيد أحمد بن زين الحبشي ومحمد بن زين بن سميط وأخوه عمر والسيد عمر بن عبدالرحمن البار والعلامة عبدالرحمن بن عبدالله بلفقيه والعلامة محمد بن عمر بن طه السقاف وغيرهم كثير من السادة الأشراف ومن المشايخ من حضرموت وغيرها .
(1/11)

حاويه المبارك:
استوطن الحاوي العظيم سنة 1099هـ وفيه ولد ابنه الحسن. ولما بشر به قال ولد صاحب الحاوي وتنور به المكان والزمان حييت يالحاوي وزدت مفاخراً تعلو على الأرضين والأفاق إذ كنت مأوى جسم ذاك المجتبى ومحل نعليه من المطراق وذكر المؤرخ السيد محمد بن أحمد الشاطري إن الحبيب عبدالله الحداد أسس الحاوي ليكون موطناً مستقلاً استقلالاً ذاتياً به وبأولاده وخدمه وأتباعه بحيث لايتدخل فيه حاكم تريم ولا يعد أهله من رعاياه .حوطةٌ محميةٌ داخلةٌ في كل ما يصل إلى تريم من خير، خارجةٌ عنها من كل شر وفتنة ، فهي محترمةٌ لدى الجميع ولهذا سماها بعض السواح الأجانب بالفاتيكان( مقر البابا في روما). وقد ذكر أن الإمام ابتنى بيته في الحاوي سنة 1074هـ، وسكنه سنة 1099هـ وابتنى مسجده الذي بجانب بيته المذكور ويعقد درسا بالمسجد بعد صلاة العصر كل ليله، وبكرة يوم الخميس والاثنين وحضرة بعد صلاة العشاء ليلة الجمعة. وكان الحاوي مقصدا للأولياء والصالحين وملجأ للفقراء والمساكين حوطة أمان ومقر اطمئنان.
(1/12)

حجه وزيارته:
في عام1079 هـ وفد الإمام الحداد إلى الحرمين الشريفين ولما وصل مكة خرج الناس إلى لقائه ونزل في بيت الشيخ حسين بافضل وقام بضيافة الإمام ومرافقيه قياما ً كاملاً وقال الإمام: إن الشيخ حسين بافضل كان يقول:كان لي بحران اغترف منهما بحرٌ من الظاهر وهو الشيخ أحمد القشاشي وبحرٌ من الباطن وهو السيد محمد بن علوي السقاف فجمع الله لي البحرين فيكم، وكانت السنة التي حج فيها الوقوف بالجمعة وأقبل أهل مكة عليه وأتاه الشريف بركات بن محمد وهو جالس في الحجر وسأله الدعاء بتيسير المطلوب فدعا له الإمام بذلك فلما ذهب سأل عنه فقيل له إنه من أشراف مكة فقال الإمام إنه طلب أن يكون ملك مكة وقد استجاب الله الدعاء في ذلك وتولى بركات إمارة الحجاز سنة 1082هـ وصلى الحبيب عبدالله الحداد إماماً بالناس في الحرم المكي الشريف فجر يوم الجمعة الأولى من محرم 1080هـ وقرأ سورتي السجدة والإنسان.
ثم توجه إلى المدينة المنورة ويروى عنه أنه وهو مسافر إلى المدينة كان لا ينام إلا قليلا ً من شدة الشوق وفي هذا يقول : يلذ لنا أن لا يلذ لنا الكرى لما خالط الأرواح من خالص الحب وهذا البيت من قصيدته المباركة التي حظيت لصدقه فيها بأن كتبت على الحجرة الشريفة وفي المواجهة هذا البيت:
نبي عظيم خلقه الخلق الذي ... له عظم الرحمن في سيد الكتبِ
ولما اقترب من المدينة هبت عليه نسمات القرب وفاح شذاها وأشرقت أنوارها وفي ذلك يقول:
فلما بلغنا طيبةً وربوعها ...شممنا شذىً يزري بعرف العنابرِ
وأشرقت الأنوار من كل جانب... ولاح السنا من خير كل المقابرِ
مع الفجر وافينا المدينة طاب من... صباح ٍ علينا بالسعادة ِ سافرِ
ونزل في ضيافة السيد عمر أمين المهدلي ، ودخلوا المسجد النبوي وصلوا في الروضة الشريفة المطهرة ثم وقفوا أمام المواجهة الشريفة و فيها يقول الإمام :
إلى مسجد المختار ثم لروضة ... بها من جنان الخلد خير المصائر
إلى حجرة الهادي البشير وقبره ... وثَمَّ تقرُّ العين من كل زائرِ
وقفنا وسلمنا على خير مرسلٍ ... وخير نبيٍّ ماله من مناظرِ
فرد علينا وهو حيٌ وحاضرٌ ... فشُرِّفَ من حيٍّ كريم ٍ وحاضرِ
زيارته نجح وفوز ومغنم ... لأهل القلوب المخلصات الطواهرِ
بها يحصل المطلوب في الدين والدُّنا... ويندفع المرهوب من كل ضائرِ
بها كل خير عاجل ومؤجل ... ينال بفضل الله فانهض وبادرِ
وإياك والتسويف والكسل الذي... به يبتلى كم من غبي وخاسرِ
فإنك لا تجزي نبيك يا فتى ... ولو جئته سعياً على العين سائرِ
(1/13)

مؤلفات الإمام الحداد:
ذكرنا سابقاً إشادة العلماء بكتب الإمام الحداد وأن الأمة تلقتها بالقبول فطبعت عدة طبعات وترجمت إلى عدة لغات وهذه الكتب هي:
1- رسالة المذاكرة وهي أول ما بدأ به من المؤلفات.
2- آداب سلوك المريد.
3- إتحاف السائل بأجوبة المسائل.
4- النصائح الدينية والوصايا الإيمانية قال الإمام الحداد: قال بعض علماء الحرمين: لما وقف على كتاب النصائح الدينية هذا الكتاب عين الإحياء فقلنا له: الأمر كما رأيت.
5- رسالة المعاونة والمظاهرة والمؤازرة التي تتحدث عن الأخلاق وقد ألفها للحبيب أحمد بن هاشم لما طلب منه الوصية.
6- سبيل الإدكار والاعتبار بما يمر بالإنسان من الأعمار.
7- الدعوة التامة والتذكرة العامة.
8- الفصول العلمية والأصول الحكمية.
9- آداب سلوك المريد.
10- النفائس العلوية في المسائل الصوفية.
11- الحِكَم: مجموعة من حكمه العجيبة وقد شرحها العلامة المحدث محمد سندي المدني.
12- المكاتبات: وهي تحتوي على رسائله لإخوانه في ومريديه والمتعلقين به وتلامذته كما خاطب فيها السلاطين والحكام فنصحهم ووجههم وأرشدهم وأنذرهم.
كلامه: تثبيت الفؤاد بذكر مجالس القطب عبدالله الحداد جمعه تلميذه الشيخ أحمد بن عبدالكريم الشجار الإحسائي وحرره الحبيب أحمد بن حسن الحداد وطبعت منه طبعة مُرَاجَعَة ومنقحة قام بمراجعتها الحبيب يحي بن أحمد بن عبد الباري العيدروس رحمه تعالى.
(1/14)

من كلام الحبيب عبدالله بن علوي الحداد رحمه آمين:
تتم المحافظة على صحة الموالاة بحفظ أصول ثلاثة : الأول: محبة المولى وتستجلب بالفكر في الآيات والنعم وإدمان الذكر. الثاني: ترك ما يشغل عنه ولا يتم إلا بترك ملابسة الذنب ومخالطة الخلق إلا فيما لابد منه وهو ما يرجو الإنسان على فعله ثواباً ويخاف على تركه عقاباً. الثالث: لزوم ما يقرب منه؛ وكماله ترك المحرمات وأداء الواجبات والإكثار من القربات .
ومن كلامه : النائم يوقظ والغافل يذكر ومن لم يجدي فيه الإيقاظ ولا التذكير فإنما هو ميت وما أنت بمسمع ٍ من في القبور.
وقال :- ما وجدنا الخير كله إلا في العلم ولولا العلم ما عرف العبد ربه ولا عرف كيف يعبده.
وقال عن حديث جبريل لما سأل عن الإسلام والإيمان والإحسان : الإسلام مجرد عملٍ فقط والإيمان مجرد علمٍ وتصديق والإحسان مشتركٌ بينهما.فالأول في الجوارح والثاني في القلب والثالث فيهما فالأول ظاهر الثاني، والثاني باطنه، والثالث خالصهما وهو الغاية من الإيمان والإسلام إذا اجتمعا صارا إحساناً.
وقال : في حديث ماء زمزم لما شرب له قال:- يعني من شربه لمرضٍ شفاه الله أو لجوعٍ أشبعه الله أو لحاجةٍ قضاها الله لأنها في الأصل للاستغاثة أعان الله بها إسماعيل عليه السلام وقد جربه كثيرٌ من الأئمة في المطالب فوجدوه صحيحاً من خبره عليه الصلاة والسلام ولكن يحتاج إلى نيةٍ وإخلاص ، ما هو لكل الناس .
(1/15)

ديوانه العظيم: ((الدر المنظوم لذوي العقول والفهوم )) جمع فيه من الحكم واللطائف والأسرار والمعارف والحقائق والدقائق والعلوم والرقائق، وقد قال عنه: إن في كلامنا المنظوم علوما لا توجد في غيره من الكتب ومن كان عنده كفاه، وقال أيضاً: أربع قصائد نظمناها وقصدنا أن تكون عماد الديوان وهي: 1) التائية الكبرى. 2) والرائية الكبرى. 3) والعينية الكبرى. 4) والميمية الكبرى . وقد شرحت بعض قصائده كالعينية و((إذا شئت أن تحيا سعيدا مدى العمر)) و((عليك بتقوى في السر والعلن))
والزم باب ربك واترك كل دون)، ونسيم حاجر، ووصيتي لك ياذا الفضل والأدب.
وذكر الحبيب جعفر بن أحمد بن زين الحبشي أنه أراد أن يشرح ((إلزم باب ربك واترك كل دون)) قال فرأيت أن قوله نفع الله به ((الله المقدر والعالم شؤون)) يحتاج إلى مجلدات.
وأراد بعض العلماء أن يشرح قصيدته التائية فلما نظرها وتأملها، قال:
لا أقدر على شرحها قد ظهر لي فيها 14 علماً. ومن المتأخرين ألّف الحبيب حسين الهدار كتاباً بعنوان (رحلة في ديوان الإمام الحداد) وقد مدح الديوان كثير من الصالحين والعارفين شعراً ونثراً، وذكروا أن قصيدته ((عليك بتقوى الله في السر والعلن)) قد جمعت ما في الإحياء.
(1/16)

أخلاقه وشمائله:
اتسم بالأخلاق المحمدية والشمائل النبوية كان آخذاً بالعفو آمراً بالمعروف معرضاً عن الجاهلين مقتدياً بسيد المرسلين يقول النبي وآله :- أدبني ربي فأحسن تأديبي فقال لي خذ العفو.....الآية فلما امتثلت ما أمرني به ربي أنزل علي وإنك لعلى خلقٍ عظيم . وقال عنه الشلي في المشرع الروي : يعامل من جنى أو جفا بالصفح والوفاء والمودة والصفاء، كان قدوةً في الأفعال والأقوال ونموذجاً للأخلاق النبوية والشمائل المحمدية قوي الهمة والعزيمة في الدين كريماً سخياً جواداً مكرماً للضيوف، ويقول : (إني أصبح وأمسي وليس عندي على أحدٍ من الخلق حقدُ ولا حسدُ).
(1/16)

عبادته:
أثر عنه أنه كان لاينام من الليل إلا قليلاً بل ذكر بعض من لاحظه أنه لاينام إلا غفوت. استقامته:- يقول عملنا بجميع السنة النبوية ولم نغادر منها شيئاً قط وتصديقاً لذلك فقد وفر شعر رأسه آخر عمره . زهده: - يقول ثلاثُ خصصنا بها من فضل الله هي: قلة الرغبة في الدنيا، وقلة المبالاة، وقلة التعويل على أهل زماننا. كرمه: - يقول : أموالنا وجميع ماكان لنا إنما هو للبذل والتكرم على ذوي الحاجات والمستحقين. دعوته إلى الله: - وقد تحقق بهذه الأبيات التي يقول فيها: ومنهم رجالٌ ظاهرون بأمره لإرشاد هذا الخلق نهج الطريقة لهم همة في دعوة الخلق جملة إلى الله عن نصحٍ ولطفٍ ورحمة فهم حجة للمؤمنين بربهم وفيهم لمرتاد الهدى خير قدوة صبره وحلمه: - كان صبوراً حليماً كاظماً للغيظ حمالاً لأذى الخلق صفوحاً عنهم. ويقول : أما الحقوق التي لنا فقد سمحنا بها، وأما الحقوق التي لله عز وجل فلا نسمح بها أبداً. وكان يقول إنا نسمع أن أناساً يأكلون طعامنا ويسبوننا فلا نتأثر بذلك ولا نجد عليهم بل ندعو لهم. ومن نظمه: إذا آنست من خلٍ جفاءً فلا أجفو وإن هو قد جفاني ولكني أداريه بلطفٍ وأمسك عن تناوله لساني تواضعه: - كان جم التواضع ويظهر ذلك جلياً في أشعاره: ياويح نفسي الغوية عن السبيل السوية......الخ. ويانفس هذا الذي تأتينه عجب................الخ.
وقصيدة: تفيض عيوني بالدموع السواكب.....الخ.
ومن لطفه وتسامحه أن أحدهم أعطى طفله مناجل- قطع من حديد- وقال له : اذهب إلى الحداد* وقل له: يقول لك أبي تسنها، والطفل لايعرف إلا الحداد الإمام فدخل عليه وهو في مجلسه وبين أصحابه فقال له الطفل : هذه المناجل يقول لك أبي أنك تسنها، فأخذها الإمام وقال تعال لها غداً تجدها مسنونة وأمر من يذهب بها إلى الحداد ليسنها؛ ولهذا اشتهر بأنه حداد القلوب يوجهها إلى علام الغيوب. وكما قال أحد أبنائه:
حداد لكن للقلوب ... حددت نهجي والدروب
______________________________________ *يقصد هنا في القصة بالحدَّاد الذي يشتغل بمهنة الحِدَادة.
(1/17)

ثلاثيات اشتهرت عن الإمام الحداد:
اشتهر عنه أنه دعى إلى بفمه وقلمه وقدمه - أي رحلاته - وأن جعل البركة في أبنائه وتلامذته وكتبه، وأن الأمة تلقت بالقبول كتبه وأوراده وأشعاره ويقولون: الناس ثلاثة: سابقٌ ، ولاحقٌ ، وماحقُ ؛ فالسابق من سبق أهله ، واللاحق من سار في ركبهم ولم يتخلف عن دربهم، والماحق من تخلف عن سيرة أهله وترك طريقهم. وقد أجمعوا على أن الحبيب عبد الله بن علوي بن محمد الحداد سبق من قبله وكان حجةٌ لمن بعده . كما قال سيدنا الحبيب على الحبشي :
فجميع من سلك الطريقة بعده ... مستصبحون بنوره الوقاد
وقال : من أحسن نعم الله على الإنسان في الدنيا ثلاثة:
1- أن يرى ولد ولده
2- وأن يأكل من غرس يده
3-وأن ينشد بين يديه من شعره.
وقد حصلت لنا كلها بحمد الله تعالى.
وقال : ثلاثة أولاد روحي أحمد بن زين الحبشي ، وعبد الله بن علوي صاحب بور، وزين العابدين بن مصطفى العيدروس .
وقال: طلبت من ربي لحضرموت ثلاث خصال :
الأولى : أن يشفعني الله في أهل عصري.
الثانية: أن يسخر لوادي حضرموت والي عدل فقيل لي: هذه مالك فيها فضول.
الثالثة: أن البر لا يحرقه البرد بحيث إذا نزل عليه البرد عادهم يحصلون منه شيء.
وقال :بنينا أمرنا في الابتداء على ثلاثة أشياء :
الأولى : لا نتحكم لأحد حتى نرى فيه أهلية التحكيم
الثانية: أن لا نحكم إلا من نراه أهلاً
والثالثة : أن لا نفيد ولا نستفيد إلا من متأهل للإفادة والاستفادة.
وقال : لا تسابق من لا يسبق وإلا وقعت في ثلاث خصال :
أنك لا تدركهم فيحصل عليك التعب الشديد ، والفضيحة بين الناس ، والسقوط من منزلتك التي كنت عليها.
وقال : أنه يود ثلاث خصال ؛ لو وضع له كرسي ليعظ من فوقه، وأن لو أبدل خطب ابن نباته، وأن لو ربط زيارة نبي الله هود بالتوقيت الشمسي، ولكن لم يفعل ذلك لأن سلفه لم يفعلوه.
وقال : لا يتم النشيد إلا بثلاثة أمور: حسن الصوت والنظم والإعراب ، ورابع: و لعله طيب الوقت .
وقال : ثلاثة لهم المنة على السادة آل باعلوي : المهاجر أحمد بن عيسى : خرج بهم من البدعة. والفقيه المقدم : سلمهم بطرح السلاح. والشيخ علي بن أبي بكر حين أمر تلميذه باشيبان بخدمة شجرة النسب.
وقال : استصحب في سفرك ثلاثة أشياء ؛ الخاء والطاء والصاد أي الخلق الحسن والطاعة والصدق فإنك إن استصحبتها في سفرك أنجحت.
(1/18)

وفاته:
حكى ولده الحبيب حسن وهو الذي تولى تمريضه وحظي بذلك قال : إنه رحمه الله في مرضه كان كثير التكرير لآخر حديثٍ في البخاري ولم يزل يلهج به وهو قوله (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم). ولما خرجت روحه الزكية رؤيت بارقة من نور وكان ذلك نحو ثلث الليل الأول وما ظهر خبر وفاته إلا صباحاً وارتجت الأرض لموته وارتاعت الخلائق وتسارعت من جميع البلدان لحضور جنازته وتولى غسله ولده الحبيب الحسن والسيد عمر بن حامد وما ترك الناس شيئاً من غسله يسقط على الأرض تبركاً به وصلى عليه بالناس ولده الحبيب علوي وحضر جنازته نحواً من عشرين ألفاً ودفن وقت غروب الشمس لكثرة الزحام على جنازته. وقد رثي بعدة مراثي وأسف الناس على فقده وبالأخص أولئك الذين لم يسعدوا في حياته بالأخذ عنه والاتصال به فعلى مثله فليبكَ . إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمة وا أسفاً من فراق قوم هم المصابيح والحصون لم تتغير لنا الليالي حتى أتتهم المنون

تأليف الحبيب السيد علوي بن حسن الحداد المكي الحسيني حفظه الله تعالى حفظ الصالحين

مراجعه و اعتناء خادم مقام الإمام الحداد
رحمك الله تعالى يا إمامنا الحداد فأنت الشمس التي غابت عنا ومهما غابت الاجساد فالأرواح حاضرةً.
(1/19)

دفنت مع من فيه روحي وراحتي ... فعاد أغض العيش من بعده يبسا
فلا تلفني إلا حزيناً لفقده ... نواطق سلواني لفرقته خرسا
فيا رحمة الرحمن زوريه واحللي ... على قبره حتى تطيب له نفسا
وحييه عنا بالسلام وروحي ... بروح الرضا والقرب معناه والحسا
وقولي له إنا على العهد والوفا... وإن الفنا قد عمَّم الجن والإنسا
ومن ذا الذي يرجو البقا بعد أحمد ... نبي الهدى من نوره يخجل الشمسا

نفعنا الله ببركات الإمام الحداد في الدارين بسر من أسرار الفاتحة وإلى حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
(1/20)

Subscribe to receive free email updates:

0 Response to "بشرى الفؤاد بترجمة الإمام الحداد - الإمام عبدالله بن علوي الحداد - Kitab Alhaddad-9"

Post a Comment

Silahkan komentar yg positip